المشاركات

عرض المشاركات من أبريل, ٢٠٢٠

"عودة" قصة قصيرة

صورة
عودة   انتهت الحرب، وبدأ السلام يدق أبواب المدينة المنكوبة، ويطوف في شوارعها، يدخل بيوتها بخطوات ثقيلة مثل زائر خجول، كانت الوجوه الشاحبة التي تملّكها الذعر لسنوات تتسابق الى عناقه بلهفة بعد أن شبعت من رؤية الخوف ورائحة الموت. لقد نهضت الحياة من تحت الرُكام قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة وهي تتعكز على أكتاف بعض الرجال، رجالٌ لم يجمعهم عِرق ولا دين، اجتمعت قلوبهم على هوية واحدة ثم انصهرت وذابت في بوتقة كبيرة اسمها العراق. كان يكتب لها كل ما يمر به في المعركة من أحداث، كيف أنقذ الشيوخ والنساء والأطفال من براثن داعش، كيف حمل رفيقه على كتفه بعد أن أصيب في ساقه برصاصة قناص، كيف عاش أياماً من دون طعام في قبوٍ مظلم، كيف أنقذه رفيقه قبل أن يجهز العدو عليه بلحظات، وكيف كان يفتقدها ويشتاق لرؤيتها وسط كل ما كان يحدث. كانت تنتظر قدومه بفارغ الصبر، تتطلع إلى اليوم الذي سيعود فيه إلى عائلته، بين أولاده، إلى بيت كل زاوية فيه تفتقده، وكل ركن فيه يسألها عنه. ذات مساء جلست قرب النافذة، تطلعت إلى السماء بعمق وكأنها تردد في داخلها دعاءً خفياً، فتحت إحدى رسائله التي كتبها لها، أخذت تعيد ق...

"يوم قائظ" / قصة قصيرة بقلم زينب حسين الناهض

صورة
  يوم قائظ         شعر بالجوع واخذت حواسه تتحفز بشدة عندما تسللت الى انفه رائحة الشواء من مطعم مجاور، استسلم برهة للذة هذا الشعور وشيئاً فشيئاً بدأ يضعف تركيزه على ماحوله ففصل الصيف القائظ بحرارته كان يبدو كشاب في مقتبل العمر ..قوي البنية.. مفتول العضلات.. يغلف المكان بستارة ملتهبة جاعلاً من ذرات التراب شظايا تلسع بحرارتها أجزاء من جلده ، وتخلق من كتل الهواء جمرات صغيرة تتقافز امام وجهه الاسمر ويديه العاريتين ..كان يسعى لصد تلك الجمرات بمظلة من الحديد المتاّكل التي امتصت أشعة الشمس وجمعتها بين أجزائها. في عربته الصغيرة تكدست مجموعة من قناني الماء الموضوعة بين قوالب الثلج الذي سرعان مااستسلم امام سلطان الصيف الجائر فتحول الى حوض من الماء تسبح فيه القناني وسط العربة.. هاهو قرص الشمس قد استقرفي وسط السماء ومازال هو يقاوم ذلك البطل الشرس المدعو بالصيف ويصارع شعوره بالجوع لحين اكمال اّخر ماتبقى من بضاعته. غمره شعور بالفرح وهو يرفع اّخر قنينة من الحوض لتستقر في يد الزبون...دفع عربته وتوجه عائداً   الى بيته..لم يفكر في إسكات صوت الجوع المتزايد والمن...

"صرخة" / قصة قصيرة بقلم زينب حسين الناهض

صورة
                                              صرخة كانت الحياة تدب في اوصال الشارع الذي امتلأ بضجيج حركة المارة والباعة وتلاميذ المدرسة ، اما هي فقد اخذت تمعن النظر في زوايا غرفتها الساكنة ..بدءاً بأثاثها الخشبي الفاخر ..وانتهاءً باللوحات الثمينة المعلقة على الجدران. كانت تبحث عن نفسها وتلملم بقايا اشرعتها المتكسرة على شاطيء العزلة..تتساءل .. ماجدوى الكلام مع عالم اصم ..وماجدوى الكتابة لعالم أمي, ومامعنى الحرية وسط عالم لايقر سوى العبودية. يالها من سنوات طويلة عجاف امتصت رحيق شبابها وقذفت بها في جوف هذا المنزل المترامي الاطراف..والمتناهي العزلة..فلم تعد ترى لوناً للحياة سوى لون العتمة ، الاثاث المنتقى بذوق رفيع فقد بريقه واصبح مجرد اثاث بائس يفتقر للبهجة ، جدران المنزل الصقيلة الوردية بدت في عينيها كجدران قبو متاّكلة الزوايا ، اما ابوابه الحديدية فهي اشبه ما تكون بقضبان زنزانة متينة ومتراصة لايمكن فتحها الا من قبل حراسها وزبانيتها المرابطون قربها. وقفت لحظات ام...