"ورق الورد" قصة قصيرة بقلم زينب حسين الناهض



قصة قصيرة..
 
 
ورق الورد

     رأيتها بالصدفة حينما كنت ذاهباً للتسوق من أحد المراكز، كانت تعمل موظفة لدى أحد المحال، اقتربت أكثر لأتأكد من أنها هي، التقت عيناي بعينيها البراقتين، كانتا كنهر بني هاديء يغازل النوارس وتغفو على ضفتيه مئات الحكايا، هي جارة الطفولة التي غادرت مع عائلتها منذ سنوات لتسكن في منطقة أخرى، تعلقت بها دون أن تشعر وكتبت حكايتي معها على ورق الورد، ورق الورد الذي حملته رياح السنين فتناثر في أماكن أخرى لكنه ظل يعبق في عالمي ويضوع في دنيا أحلامي، هي حكاية انتهت من قبل أن تبدأ. غمرني شعور عارم بالفرح حينما بادلتني السلام، حدثتها عن أحوال عائلتي وحدثتني هي عن أحوالها، صدمت حينما عرفت انها أرملة قضى زوجها نحبه في حادث تفجير حينما كان متوجهاً الى عمله صباحاً وترك لها طفلاً وحيداً هو اليوم في السابعة من عمره. كنت أنصت لحكايتها في ذهول رغم انها ليست سوى واحدة من آلاف القصص التي عصفت بالحياة في بلادي وغيرت قوانين العيش فيها، أيتمت وشردت وأفقرت الملايين، انتزعت ألوان الفرح من عالمنا وقطفت البسمة من وجوه الصغار.
لا أعرف بالضبط حقيقة المشاعر التي انتابتني لدى سماعي كل ذلك،  فقد اعتصر قلبي الألم، لكن... ربما يكون حديثها قد أشعل بصيص أمنية مطفئة كانت تسكن أعماقي منذ زمن؛ لأجدني مطوّقاً مرة أخرى بعبق ورق الورد الذي ساقته رياح القدر ليتناثر حولي ويشدني اليه فأستسلم لامحالة.
أدمنت على التسوق من المركز الذي تعمل فيه، حتماً وجودها هو السبب، وذات يوم خريفي إرتعشت فيه أوراق الشجر كارتعاش الكلمات في لساني، إستجمعت شجاعتي وقلت لها: "إمنحيني يا سيدتي تذكرةً للدخول إلى عالمك، علّني أكون طيفاً جميلاً يداعب أجفانك المثقلة بالهموم، دعيني أكون لخوفك أمناً، ولحزنك ملاذاً، ولعينيك فجراً" لم تتفاجأ مما قلت وكأنها كانت تشعر بكل الذي سأقوله، صمتت قليلاً لكني قرأت الجواب في عينيها، خُيّل إلي أنني أرى صورة ولدها وقد انعكست في صفاء مرآة عينيها، ثم فتحت حقيبة كانت تضعها بالقرب منها مدت يدها في داخل الحقيبة وأخرجت صورة طفلها، وضعت الصورة أمامي وهي تقول: " لقد قررت أن أعيش لأجله فقط وليس لأجل أي شيء آخر".
عرفت أن هذا سيكون جوابها ليبقى ورق الورد يتناثرعابقاً بأنفاس الوفاء ويضوع في دنيا أحلامي.

زينب حسين الناهض
بغداد / العراق 2020  


تعليقات

  1. الردود
    1. كأنني أرى فيلم سينمائي وليست حروف وكلمات تقرأ

      جعلتني اعيش في عالم جميل رقيق كله مشاعر رائعة

      علمت أن الحب لا يموت مهما مرت السنين

      أتمنى لكم كل التوفيق والنجاح

      حذف
  2. بالرغم من كوني قارئ و متلق بسيط و لست بناقد أدبي , و لكن ارى بوضوح مدى سرعة وصول فكرة القصة و جماليتها , و بالأمكان ان تكون بذرة لقصة طويلة او رواية حيث ان للكاتبة المحترمة رؤية و دراية بكيفية سلوك طريق الكتابة الأدبية

    ردحذف
    الردود
    1. استاذ احمد كلامك يشجعني على أن ارتمي في أحضان الأدب والقصة واقدم المزيد والافضل..شكرا على حسن التواصل والمتابعة.






      حذف
  3. احسنتي ست زينب قصة مؤثر من واقع الحياة المؤلمة

    ردحذف
  4. تألق فاق حدود الإبداع 💤💤💤احسنت يامبدعه 💐💐💐أتمنى لك التوفيق والنجاح .إبنة عمك ام حيدر

    ردحذف
    الردود
    1. تحية حب من الأعماق.. وفقكم ربي لكل خير.

      حذف
    2. قصة واقعية ومختصرة تميزت بالحبكة الجميلة والمفردات الناعمة. مزيدا من الابداع والتالق عزيزتي

      حذف
    3. ازدانت المدونة بحضوركم وتعليقك.. محبتي

      حذف
  5. قصه جميله من انسانه رقيقه انا اعرفها جيدا لذلك نجد كل مدوناتها جمبله وهادفه وشفافه في اسلوبها

    ردحذف
    الردود
    1. اشكر جمال كلامكم وتواصلكم.ممتنة.

      حذف
  6. سعيدة بسماع رايك وحسن تواصلك..اعتزازي وتقديري

    ردحذف
  7. عاشت ايدك واسلوبك جدا راقي اتمنى لك الموفقيه والازدهار

    ردحذف
    الردود
    1. شكرا لدعمكم بتواصلكم.. اعتزازي وتقديري

      حذف
  8. رائع جدا وملئ بالابداع الادبي .. وصف دقيق للمشاعر والاحاسيس وسيل دافئ من الابداع. وفقكم الله وادام ابداعاتكم وبوركت الانامل

    ردحذف
    الردود
    1. شكرا للتواصل الجميل والثناء الاجمل..دمتم

      حذف
  9. أسلوبك في السرد رائع ، وطريقتك في رسم الشخصيات ممتازة ، وفق الله خطاك

    ردحذف
  10. خالتي الحبيبة اسلوبك جميل جميل حقا جميل
    بارك الله بك غاليتي💖

    ردحذف
    الردود
    1. من دواعي سروري ان القصة اعجبتكي.. شكرا حبيبتي

      حذف
  11. رووووعه حبي

    ردحذف
  12. قصصك الرائعه لا تمل ابدأ كلما اعدت قرأتها ❤

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة