ألبوم صور

 زينب حسين الناهض

    كانت تنتظر لقاءه منذ سنين، اتصل بها اليوم وأخبرها أنه سيصل الى أرض الوطن بعد ثلاثة أيام.. تورّد وجهها وتدفق الدم في عروقها وهي تنصت الى كلماته بلهفة.. ستراه هي إذن، ستضمه.. ستطوقه بذراعيها وتحتضنه بحرارة.. لن تعاتبه على شيء.. هي فقط تريد لقاءه، بعد أن أنهى الاتصال.. توجهت الى غرفتها، فتحت دولابها ثم مدّت يدها الى الرف العلوي منه.. سحبت ألبوم صور قديم كانت تحتفظ به، فتحت الألبوم.. وقعت عينها على صورة له حين كان عمره خمس سنوات.. الصورة قديمة جدًا مال لونها الى الأصفر وتمزّق جزء كبير من الغلاف الشفّاف الذي كان يحيط بها.. مررّت أصبعها على جبينه وخده.. شعرت بدفء غريب يسري في جسدها، ضمّت الصورة الى صدرها وتنفست بعمق كأنها تستنشق عبق الماضي وسحر الذكريات الأخاذ الذي لم تطفئه سنوات البُعد والمسافات الشاسعة.. بعيدة هي جدًا عن تقنيات التواصل الحديثة، كم تمنّت لو أنها تُحسن الكتابة لسكبت مشاعرها في حروف وكلمات، ونثرت ورود حبها في فضاءات الرسالة.. هو لم يكن يتصل بها كثيرًا لكنه حاضر في دعائها في كل وقت.. تلتمس هي له الأعذار لكنه لم يعتذر لها في أية مرة.. تجتهد في تبرير جفائه على الرغم من أنه لم يكن يبرر لها أي شيء.. هي تواسي وحدتها بذكرياته.. وهو يواسي أيامه بنسيانها، في الشتاء ينشغل بعمله ومدارس أولاده.. وفي الصيف هو لا يحتمل الحر وسوء الخدمات في بلدها.

    اليوم هو موعد وصوله.. نهضت من فراشها باكرًا على غير عادتها.. كأن النهار يبتسم لها وهو أكثر إشراقًا وجمالًا، شعرت أنها أفضل حالًا وصحةً من سابق الأيام.. وضعت مفرشًا حريريًا زاهي الألوان على طاولة الطعام.. وفي منتصف الطاولة وضعت زهرية شفافة مليئة بالورد، ثم أحضرت طقم أكواب الشاي المُذّهب الذي كانت تقتنيه للمناسبات الخاصة، بجواره خبزت فطائر التمر التي كان يحبها في صغره، وجلست تنتظر قدومه.. مضت الساعة تلو الأخرى حتى دخل الليل.. تأخر هو عن موعد وصوله.. الوقت يمر ثقيلًا، وانتظاره اليوم يبدو أشقى عليها من السنوات الماضية.. عادت مرة أخرى الى ألبوم الصور وظلت تُقلبُ فيه طويلًا، شعرت بالتعب.. استلقت على الأريكة وأغمضت عينيها.. بعد ساعتان وصل هو الى أرض الوطن.. اتصل بها فور وصوله.. رنّ هاتفها.. ظل يرن ويرن طويلًا، لكنها لم تشعر بشيء، كانت لا تزال على الأريكة ممسكة بألبوم صورها وهي مغمضة العينين.

زينب حسين الناهض

بغداد / العراق 2023

 

تعليقات

  1. مبدعه ست زينب

    ردحذف
  2. انامل ذهبية تكتب احرف مبتلة بالدموع

    ردحذف
  3. عاشت ايدج .

    ردحذف
  4. هذا المقال يصف بشكل مؤثر انتظارًا طويلًا للقاء شخص عزيز. يمكن أن نشير إلى أنها عاشت لحظات من الحماس والتوتر أثناء اتصاله بها ووصوله إلى الوطن بعد ثلاثة أيام. كان لديها العديد من الذكريات والمشاعر المختلطة خلال هذا الانتظار الطويل.
    عاشت أناملك

    ردحذف
  5. اسطر مملوءة بحنين الوالدة الى ولدها بعد فراق طويل
    اسطر مملوءة بحب صادق ومخلص لم تغيره السنين
    اسطر ابدعتي بها دكتورتنا الفاضلة بوصف قصة حقيقية

    ردحذف
  6. عواطف واشجان لا تنبع الا من انسان جميل مرهف..دام ابداعك غاليتي

    ردحذف
  7. ابدعتي بوصف الصورة المشاعرية و التعبيرية لهذا الموقف و لكل هذا الاشتياق الذي يكاد لا يخلو خافق عراقي منه ..لمست بداخلي حنين اللقاء بشقيقي المغترب منذ ٨ سنوات كما يحدث على سطح بحيرة راكدة

    ردحذف
    الردود
    1. هذه فتافيت من مشاعر ام..بداخلها اكبر بكثير..ممتنة

      حذف
  8. عاشت اناملك احسنت النشر قصه معبِره جداا تحكي واقع اكثر الامهات اللواتي سافرن اولادهن وابتعدو دون ان يحسو بحرقة قلب الوالده على فراقهم

    ردحذف
  9. حبيبتي المبدعة دائماّ
    ربي يرزقنا بر اولادنا بينا

    ردحذف
  10. جميل ام دعاء ربي يحفظج

    ردحذف
  11. خالتي الحبيبة اللبقة شعرت بكل كلمة و كأني اعيش في داخل القصة
    كم نعيش الجفاء من البعض و نلتمس الأعذار لهم و هم لا يشعرون
    خالة كل ما في القصة أشعرني بمشاعر تلك المرأة التي أحبت بصدق
    بوركتي
    احبك و احب قصصك كثيرا 💖

    ردحذف
  12. هذه المرة اختلفت القصة كثيرا عن اخواتها هذه المرة شرحت لنا الانتظار ماهو اكثر من اي شي اخر ربما هو بطل القصة ولكن كان شعورا غريبا ان ينتظر الانسان احباءا هم غير كفوئيين لهذا الانتظار لقد اجزلتي وان كانت قصيرة الا انها شاملة المعنى❤️انت اصلا مبدعة

    ردحذف
    الردود
    1. السلام عليكم
      سلمت يداك
      وان اقرأ كلماتك ، احس بمشاعر حقيقة
      وطيبة القلب ، والتصاقك بواقع الحياة.
      انت مبدعة وان شاء الله تبقين دائما مبدعة.
      الله يحفظكم

      حذف
    2. شكرا دكتور..تقديري

      حذف
  13. حبيبتي ست زينب الغالية مااجمل الكلمات لكن الاجمل يديك التي كتبتها

    ردحذف
  14. نوزاد عبدالله28 سبتمبر 2023 في 9:16 م

    جميل جدا
    عاشت الأنامل

    ردحذف
  15. لكم دوام التوفيق والنجاح والسداد والتالق...

    ردحذف
  16. عمر سعدون عايد28 سبتمبر 2023 في 9:48 م

    الام وحنانها والابن وجفاءه.
    خيال رائع واسلوب مميز

    ردحذف
  17. كيف تحضر مشاعرنا في وقتها تجاه من يصل متأخرا.. يكفيها ان حضنت هذه المشاعر _الذكريات حتي لحظة الغفوة.. تظل مخيلة الحضور اكثر روعة من الحضور ذاته.. وقدعاشت اللحظة بكل

    ردحذف
  18. عاشت اللحظة بكل تفاصيلها المترعة بجمال الانتظار والتفكير فيه.. جمال الفكرة والتعبيربسلاسة يستحقان التقدير.

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

"ورق الورد" قصة قصيرة بقلم زينب حسين الناهض